فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {مَا لَوْنُهَا} كقوله: {مَا هِيَ}.
وقرأ الضحاك: {لونها} بالنصب.
وقال أبو البقاء: لو قرئ: {لَوْنَهَا} بالنصب لكان له وَجْهٌ، وهو أن تكون {ما} زائدة كهي في قوله: {أَيَّمَا الأجلين قَضَيْتُ} [القصص: 28] ويكون التقدير: يبين لنا لَوْنَهَا وهذا تجديد للأمر، وتأكيد وتنبيه على ترك التعنّتن وهذا يدل على أن الأمر يقتضي الوجوب، ويدل على أن الأمر على الفور؛ لأنه تعالى ذمهم على التأخير بقوله: {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ} [البقرة: 71].
واستدل بعضهم على أن الأمر على التراخي؛ لأنه تعالى لم يعنفهم على التأخير والمُرَاجعة في الخطاب، قاله القرطبي عن ابن خُوَيْزِمَنْداد.
قال الثعلبي: وقرأ الضحاك: {لونَهَا} بالنصب.
وأما {ما هي} فابتداء وخبر لا غَيْرُ، إذ لا يمكن جعل {ما} زائدة؛ لأن {هي} لا يصح أن يكون مفعول {يبين} يعني: أنها بصيغة الرفع، وهذا ليس من مواضع زيادة {ما} فلا حاجة إلى هذا.
واللَّوْن عبارة عن الحُمْرة والسَّوَاد ونحوهما، واللَّوْن أيضاَ النَّوع، وهو الدَّقَل نوع من النخل.
قال الأَخْفَشُ: هو جماعة واحدها لِينَة وفلان يَتَلَوَّنُ، أي: لا يثبتُ على حال؛ قال الشاعر: الرمل::
كُلَّ يَوْمٍ تَتَلَوَّنْ ** غَيْرُ هَذَا بِكَ أَحْمَلُ

و{صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا} يجوز أن يكون {فاقع} صفة، و{لونها} فاعل به، وأن يكون خبرًا مقدمًا و{لونها} مبتدأ مؤخر، والجملة صفة ذكرهما أبو البقاء.
وفي الوجه الأول نظر، وذلك أن بعضهم ذكر أن هذه التوابع للألوان لا تعمل عمل الأفعال.
فإن قيل: يكون العمل ل {صفراء} لا ل {فاقع} كما تقول: مررت برجل أبيض ناصع لونه ف {لونه} مرفوع ب {أبيض} لا ب {ناصع}.
فالجواب: أن ذلك هاهنا ممنوع من جهة أخرى، وهو أن {صفراء} مؤنَث اللفظ، ولو كان رافعًا ل {لَوْنُها} لقيل: أصفر لونها، كما تقول: مررت بأمرأة أصفر لونها، ولا يجوز: صفراء لونها؛ لأن الصفة كالفعل، إلاَّ أن يقال: إنه لما أضيف إلى مؤنث اكتسب منه التأنيث، فعومل معاملته كما سيأتي.
ويجوز أن يكون {لونها} مبتدأ و{تَسُرُّ} خبره، وإنما أنث الفعل لاكتسابه بالإضافة معنى التأنيث؛ كقوله: الطويل::
مَشَيْنَ كَمَا اهْتَزَّتْ رِمَاحٌ تَسَفَّهَتْ ** أَعَالِيهَا مَرٌّ الرِّياحِ النَّوَاسِمِ

وقول الآخر: الطويل::
وَتَشْرَقُ بَالقَوْلِ الَّذِي قَدْ أَذَعْتَهُ ** كَمَا شَرِقَتْ صَدْرُ القَنَاةِ مِنَ الدَّم

أنّث فعل المَرِّ والصَّدْرِ لما أَضيفا لمؤنث، وقرئ: {يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السيارة} [يوسف: 10].
وقيل: لأن المراد باللَّون هنا الصُّفرة، وهي مؤنّثة، فحمل على المعنى في ذلك، ويقال: أصفر فاقع، وأبيض ناصع، ويَقِقٌ ولَهِقٌ ولِهَاقٌ، وأخضر ناضر، وأحمر قانئ، وأسود حالك وحائك وَحُلْكُوك، ودَجُوجِيٌّ وغِرْبِيبُ، وبَهِيم.
وقيل: البهيم الخالص من كل لون.
وبهذا يظهر أن {صفراء} على بابها من اللون المعروف لا سَوْدَاء كما قاله بعضهم: فإن الفُقُوع من صفة الأصفر خاصّة، وأيضًا فإنه مجاز بعدي، ولا يستعمل ذلك إلا في الإبل لِقُرْبِ سوادها من الصّفرة، كقوله تعالى: {كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ} [المرسلات: 33] وقال الخفيف::
تِلْكَ خَيْلِي مِنْهُ وتِلْكَ رِكَابِي ** هُنَّ صُفْرٌ أَوْلاَدُهَا كَالزَّبِيبِ

فإن قيل: هلاّ قيل: صفراء فاقعة؟ وأي فائدة في ذلك اللون؟
فالجواب: فائدته التأكيد؛ لأن اللون اسم للهَيْئَةِ، وهي الصّفرة، فكأنه قال: شديدة الصفرة صفرتها فهو من قولك: جدّ جدّه.
وعن وهب: إذا نظرت إليها خُيِّل إليك أن شعاع الشمس يخرج من جِلْدِهَا، فمعنى قوله: {تَسُرُّ النَّاظِرينَ} أي: يعجبهم حسنها وصَفَاءُ لونها، لأن العين تسر بالنظر إلى الشيء الحسن.
قال الكسائي؛ يقال: فَقَع لونها يَفْقَعُ فُقُوعًا، إذا خَلَصَت صفرته، والإفْقَاع: سوء الحال، وفَوَاقِعُ الدهر: بَوَائِقُه، وفَقَّع بأصابعه: إذا صوَّت، ومنه حديث ابن عباس: «نَهَى عن التَّفقيع في الصلاة»، وهي الفرقعة، هي غَمْزُ الأصابع حتى تُنْقِض، قاله القرطبي.
وفي قوله: {فاقع} لطيفة، وهي أنه وصفها باسم الفاعل الذي هو نعت للدوام والاستمرار.
يعني: في الماضي والمستقبل.
وفي قوله: {تَسُرُّ} لطيفةٌ، وهي أنه أتى بصيغة المضارع وهو يقتضي التجدُّد والحدوث، بخلاف الماضي.
وفي قوله: {النَّاظرين} آية لطيفة، وهي أنه أتى بصيغة الجمع المُحَلّى بالألف واللام، ليعمّ كلّ ناضر منفردين ومجتمعين.
وقيل: المراد بالنظر نظر البصر للمرء والمرأة أو المراد به النظر بعين اليقين، وهو التفكر في المخلوقات.
قوله: {تَسُرُّ الناظرين} جملة في محل رفع صفة ل {بقرة} أيضًا، وقد تقدم أنه يجوز أن تكون خبرًا عن {لونها} بالتأويلين المذكورين.
والسرور لذّة في القلب عند حصول نفع أو توقّعه، ومنه السرير الذي يُجْلس عليه إذا كان لأولي النعمة، وسرير الميت تشبيهًا به في الصورة وتفاؤلًا بذلك. اهـ. باختصار.

.تفسير الآية رقم (70):

قوله تعالى: {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70)}:

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
{قالوا ادع لنا ربك} المحسن إليك بالإجابة في كل ما سألته {يبين لنا ما هي} ثم عللوا تكريرهم لذلك بقولهم: {إن البقر} أي الموصوف بما قدمته {تشابه} أي وقع تشابهه {علينا} وذكر الفعل لأن كل جمع حروفه أقل من حروف واحدة فإن العرب تذكره نقل عن سيبويه؛ ثم أدركتهم العناية فقالوا {وإنا إن شاء الله} أي الذي له صفات الكمال وأكدوا لما أوجب توقفهم من ظن عنادهم وقدموا التبرك بالمشية لذلك على خبر إن {لمهتدون} أي إلى المراد فتبركوا بما لا تكون بركة إلا به. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

قال الحسن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه قال: «والذي نفس محمد بيده لو لم يقولوا إن شاء الله لحيل بينهم وبينها أبدًا»، واعلم أن ذلك يدل على أن التلفظ بهذه الكلمة مندوب في كل عمل يراد تحصيله، ولذلك قال الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم: {وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَيء إِنّى فَاعِلٌ ذلك غَدًا إِلاَّ أَن يَشَاء الله} [الكهف: 23]، وفيه استعانة بالله وتفويض الأمر إليه، والاعتراف بقدرته ونفاذ مشيئته. اهـ.

.قال الألوسي:

{قَالُواْ ادع لَنَا رَبَّكَ يُبَيّنَ لَّنَا مَا هِيَ} إعادة للسؤال عن الحال والصفة لا لرد الجواب الأول بأنه غير مطابق وأن السؤال باق على حاله بل لطلب الكشف الزائد على ما حصل وإظهار أنه لم يحصل البيان التام. اهـ.

.قال الفخر:

احتج أصحابنا بهذا على أن الحوادث بأسرها مرادة لله تعالى فإن عند المعتزلة أن الله تعالى لما أمرهم بذلك فقد أراد اهتداءهم لا محالة، وحينئذ لا يبقى لقولهم إن شاء الله فائدة.
أما على قول أصحابنا فإنه تعالى قد يأمر بما لا يريد فحينئذ يبقى لقولنا إن شاء الله فائدة. اهـ.

.فائدة: في مشيئة الله تعالى:

قال الفخر:
احتجت المعتزلة على أن مشيئة الله تعالى محدثة بقوله: {إِن شَاء الله} من وجهين: الأول: أن دخول كلمة {إن} عليه يقتضي الحدوث.
والثاني: وهو أنه تعالى علق حصول الاهتداء على حصول مشيئة الاهتداء، فلما لم يكن حصول الاهتداء أزليًا وجب أن لا تكون مشيئة الاهتداء أزلية. اهـ.

.فائدة: في قوله تعالى: {إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا}:

قال الفخر:
قوله تعالى: {إِنَّ البقر تشابه عَلَيْنَا} المعنى أن البقر الموصوف بالتعوين والصفرة كثير فاشتبه علينا أيها نذبح، وقرئ: {تشابه} بمعنى تتشابه بطرح التاء وإدغامها في الشين وقرئ تشابهت ومتشابهة ومتشابه. اهـ.

.قال الألوسي:

{إِنَّ البقر تشابه عَلَيْنَا} تعليل لقوله تعالى: {ادع} كما في قوله تعالى: {صَلّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صلاتك سَكَنٌ لَّهُمْ} [التوبة: 103] وهو اعتذار لتكرير السؤال أي إن البقر الموصوف بما ذكر كثير فاشتبه علينا، والتشابه مشهور في البقر، وفي الحديث: «فتن كوجوه البقر» أي يشبه بعضها بعضًا، وقرأ يحيى وعكرمة والباقران الباقر وهو اسم لجماعة البقر، والبقر اسم جنس جمعي يفرق بينه وبين واحده بالتاء ومثله يجوز تذكيره وتأنيثه ك{نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ} [القمر: 0 2] {والنخل باسقات} [ق: 0 1] وجمعه أباقر، ويقال فيه: بيقور وجمع بواقر، وفي (البحر) إنما سمي هذا الحيوان بذلك لأنه يبقر الأرض أي يشقها للحرث، وقرأ الحسن {تشابه} بضم الهاء جعله مضارعًا محذوف التار وماضيه تشابه وفيه ضمير يعود على البقر على أنه مؤنث، والأعرج كذلك إلا أنه شدد الشين، والأصل تتشابه فأدغم، وقرئ: {تشبه} بتشديد الشين على صيغة المؤنث من المضارع المعلوم، ويشبه بالياء والتشديد على صيغة المضارع المعلوم أيضًا، وابن مسعود يشابه بالياء والتشديد جمعله مضارعًا من تفاعل لكنه أذغم التاء في الشين، وقرئ: {مشتبه} و{متشبه} و{يتشابه} والأعمش {متشابه}، ومتشابهة وقرئ: {تشابهت} بالتخفيف، وفي مصحف أبيّ بالتشديد، واستشكل بأن التاء لا تدغم إلا في المضارع، وليس في زنة الأفعال فعل ماض على تفاعل بتشديد الفاء ووجه بأن أصله إن البقرة تشابهت فالتاء الأولى من البقرة؛ والثانية من الفعل فلما اجتمع مثلان أدغم نحو الشجرة تمايلت إلا أن جعل التشابه في بقرة ركيك، والأهون القول بعدم ثبوت هذه القراءة فإن دون تصحيحها على وجه وجيه خرط القتاد، ويشكل أيضًا تشابه من غير تأنيث لأنه كان يجب ثبوت علامته إلا أن يقال: إنه على حد قوله:
ولا أرض أبقل إبقالها ** وابن كيسان يجوزه في السعة

.قال الفخر:

فيه وجوه ذكرها القفال:
أحدها: وإنا بمشيئة الله نهتدي للبقرة المأمور بذبحها عند تحصيلنا أوصافها التي بها تمتاز عما عداها.
وثانيها: وإنا إن شاء الله تعريفها إيانا بالزيادة لنا في البيان نهتدي إليها.
وثالثها: وإنا إن شاء الله على هدى في استقصائنا في السؤال عن أوصاف البقرة أي نرجوا أنا لسنا على ضلالة فيما نفعله من هذا البحث.
ورابعها: إنا بمشيئة الله نهتدي للقاتل إذا وصفت لنا هذه البقرة بما به تمتاز هي عما سواها. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَإِنَّا إِن شَاء الله لَمُهْتَدُونَ} أي إلى عين البقرة المأمور بذبحها، أو لما خفي من أمر القاتل، أو إلى الحكمة التي من أجلها أمرنا، وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس مرفوعًا معضلًا وسعيد عن عكرمة مرفوعًا مرسلًا وابن أبي حاتم عن أبي هريرة مرفوعًا موصولًا أنه صلى الله عليه وسلم قال: «لو لم يستثنوا لما تبينت لهم آخر الأبد». اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقولهم: {وإنا إن شاء الله لمهتدون} تنشيط لموسى ووعد له بالامتثال لينشط إلى دعاء ربه بالبيان ولتندفع عنه سآمة مراجعتهم التي ظهرت بوارقها في قوله: {فافعلوا ما تؤمرون} [البقرة: 68] ولإظهار حسن المقصد من كثرة السؤال وأن ليس قصدهم الإعنات.
تفاديًا من غضب موسى عليهم.
والتعليق ب {إن شاء الله} للتأدب مع الله في رد الأمر إليه في طلب حصول الخير. اهـ.

.قال الألوسي:

واحتج بالآية على أن الحوادث بإرادة الله تعالى حيث علق فيما حكاه وجود الاهتداء الذي هو من جملة الحوادث بتعلق المشيئة وهي نفس الإرادة وما قصه الله تعالى في كتابه من غير نكير فهو حجة على ما عرف في محله، وهذا مبني على القول بترادف المشيئة والإرادة، وفيه خلاف وأن كون ما ذكر بالإرادة مستلزم لكون جميع الحوادث بها وفيه نظر واحتج أيضًا بها على أن الأمر قد ينفك عن الإرادة وليس هو الإرادة كما يقوله المعتزلة لأنه تعالى لما أمرهم بالذبح فقد أراد اهتداءهم في هذه الواقعة فلا يكون لقوله: إن شاء الله الدال على الشك وعدم تحقق الاهتداء فائدة بخلاف ما إذا قلنا: إنه تعالى قد يأمر بما لا يريد، والقول بأنه يجوز أن يكون أولئك معتقدين على خلاف الواقع للانفكاك، أو يكون مبنيًا على ترددهم في كون الأمر منه تعالى يدفعه التقرير إلا أنه يرد أن الاحتجاج إنما يتم لو كان معنى {لَمُهْتَدُونَ} الاهتداء إلى المراد بالأمر أما لو كان المراد إن شاء الله اهتداءنا في أمر ما لكنا مهتدين فلا إلا أنه خلاف الظاهر كالقول بأن اللازم أن يكون المؤمور به وهو الذبح مرادًا ولا يلزمه الاهتداء إذ يجوز أن يكون لتلك الإرادة حكمة أخرى بل هذا أبعد بعيد، والمعتزلة والكرامية يحتجون بالآية على حدوث إرادته تعالى بناء على أنها والمشيئة سواء لأن كلمة إن دالة على حصول الشرط في الاستقبال وقد تعلق الاهتداء الحادث بها، ويجاب بأن التعليق باعتبار التعلق فاللازم حدوث التعلق ولا يلزمه حدوث نفس الصفة وتوسط الشرط بين اسم إن وخبرها لتتوافق رءوس الآي، وجاء خبر إن اسمًا لأنه أدل على الثبوت وعلى أن الهداية حاصلة لهم وللاعتناء بذلك أكد الكلام. اهـ.